السبت، 24 أغسطس 2013

مداخل تنظيم محتوى مادة الأدب العربي ونصوصه

تعددت مداخل تنظيم محتوى مادة الأدب العربي ونصوصه، إلا أن مدخل العصور التاريخية هو السائد في تدريسه، وإن اختلفت الآراء في أمثل المداخل المناسبة، وانقسمت بين مؤيد ومعارض؛ فالبعض يرى المدخل السابق لاتفاقه مع التسلسل التاريخي، والبعض الآخر يرى غير ذلك. وفيما يلي عرض لتلك المداخل .
أ - المدخل التاريخي: يعتمد هذا المدخل في دراسة الأدب على تقديم النصوص الأدبية تبعاً لتسلسلها الزمني، فتقدم النصوص من العصر الجاهلي أولاً؛ فصدر الإسلام، فالأموي، فالعباسي، فالأندلسي، فالدول المتتابعة، فالعصر الحديث؛ حيث يعرض المحتوى في العصر المختار بطريقة أفقية، تشمل الفنون الأدبية المختلفة السائدة في هذا العصر، بغض النظر عن ولادة فن معين في هذا العصر أو غيره؛ فلقد قسم مؤيدو هذا المدخل الحياة الأدبية على أساس الأحداث السياسية الكبرى، التي أثرت في حياة الأدب، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي لونته.
وهناك اتجاه آخر ينادي بالمدخل التاريخي – أيضاً -  على أن تكون البداية في تقديم الأدب بالعصر الحديث لسهولته، وقربه من ثقافة الطالب، ثم يُنتقل إلى العصور التالية حتى الانتهاء بالعصر الجاهلي؛ لأن دراسة الأدب من القديم إلى الحديث تربك الطلاب، وتنقلهم فجأة من عصرهم، الذي يعيشون فيه إلى عصر يتسم بالصعوبة في لغته وأسلوبه؛ لذا فإن المدخل التاريخي العكسي ينير الطريق، ويذلل الصعوبات، ويحمل الطلاب على الإقبال على الدراسة الأدبية؛ لأن الطالب عندما ينتقل من المألوف إلى غير المألوف بالتدريج يجعله يأنس إلى الدرس، وهو مبدأ معروف ومحبب في التربية الحديثة.
لكن معارضي هذا المدخل يرون أنه إذا كانت هذه البداية العكسية تناسب الطالب من الناحية النفسية، فإنها تحرمه من المقارنة بين عصر وآخر؛ لأن الأدب فن نامٍ، يتطلب تتبعه في مراحل نموه المختلفة، ولا يمكن معرفة نهاية سلسلة تطور الأدب قبل بدايته.كما يرون أن عملية الفصل بين العصور ليست ممكنة تماماً؛ لأن الظواهر الأدبية في عصر ما قد لا تتكامل، وتأخذ مداها المطلوب إلا في عصر لاحق، أي أن العصور تتداخل، ويبدو الفصل بينهما من الناحيتين الاجتماعية والعقلية في غاية الصعوبة.
وأن هذا المدخل في تنظيم محتوى الأدب قد لا يكون عملية سهلة, أو ربما يشكل خطورة معينة في عملية التعليم؛ لأنه يغرس في ذهن الطلاب فكرة مسبقة، تؤثر في الأحكام، التي يصدرونها، وتفسد نظرتهم إلى الأمور؛ لأن الأدب ليس ظلاً للسياسة، والحكم بالرقي والانحدار ليس هو الغرض الأصيل من الدراسة؛ وإنما الغرض الأصيل يتجلى في شرح الظواهر، ودراسة النصوص، واستكناه ما وراء هذه النصوص من دلائل نفسية، تنبئ عن الفرد، ودلائل اجتماعية، تشير إلى روح الجماعة.
كما يؤخذ على هذا المدخل أنه يقف عند أعلام العصور، ويهمل المغمورين أو المقلين، وقد يكون لهؤلاء وأولئك نتاج جيد، يقف عند مستوى الأعلام.
ب - مدخل الفنون الأدبية: وفيه يتم عرض الفنون الأدبية المختلفة عرضاً رأسياً؛ فالخطابة مثلاً كفن أدبي يبدأ تناوله من العصر الجاهلي ماراً بكل العصور، حتى يصل إلى العصر الحديث. ودارسو الأدب وفق هذا المدخل يتخذون فنون الأدب محوراً لدراستهم، فهم يتناولون الفنون أو الأغراض الأدبية من وصف أو غزل أو مدح أو رثاء أو هجاء، وما إلى ذلك معالجين تلك الفنون فناً فناً، وراصدين تطوره، وأسباب ضعفه، أو قوته، معللين ذلك تاريخياً ونفسياً، مهتمين بدراسة معظم الأدباء، مشهورهم ومغمورهم.
إنه مدخل يقوم على تجميع الموضوعات حول محور واحد، وهذا ما جعل البعض يشبه هذا المدخل بطريقة المشروع في التربية الحديثة. وتتبدى قيمة هذا المدخل في ذلك؛ حيث يزيد النصوص الأدبية ارتباطاً في الذهن، كما يعمل على تقوية الحس الأدبي لدى الطلاب، من خلال إدراك المفارقات، وأوجه الشبه، وتقوية الدقة في إصدار الأحكام، كما يعود الطلاب الاعتماد على النفس في إصدار هذه الأحكام؛ فيبتعدون عن التعميم والسطحية، إلى جانب تنمية التذوق الأدبي لديهم نتيجة الاتصال المستمر بالنص الأدبي بما يوفر له المتعة في تجلية الآثار الأدبية وتذوقها.
جـ -  المدخل المكاني: ويقدم الأدب فيه حسب المكان أو الإقليم، فهناك الأدب السعودي، وأدب المهجر، والأدب المصري وهكذا. ويحتج دعاة هذا المدخل بأن الأدب هو صدى للأديب، وهو في الوقت نفسه صورة للمجتمع، الذي نشأ فيه، ومظهر من مظاهره، وإن المزايا والخصائص التي تميز البيئات أو الأقاليم عن بعضها هي التي توجه الأدب، وتؤثر في مسيرته، وإذا ما اختلفت هذه الخصائص فإن حياة الأقاليم تختلف من الناحية الأدبية قطعاً.
وقد يبدو هذا التقسيم مقبولاً في العصور التاريخية الأولى للأدب العربي حين لم يكن هناك وسيلة اتصال بين أديب وأديب. أما وقد تلاشت التقسيمات الجغرافية – إلى حد كبير- فإن الأديب أديب بطبعه، لا يؤثر في صفته هذه موضع سكنه، أو مكان ميلاده إلا بقدر، طالما رجع إلى التراث العربي والعالمي، واستند في ذلك إلى الموهبة الذاتية والقدرات الخاصة، وعالج قضايا عامة، يمكن تقبلها على مدى أوسع ودول أكثر. وبالتالي يتراجع هذا المدخل ليكون تالياً للمدخلين الأوليين.
وهناك تصنيف آخر لمداخل تنظيم محتوى الأدب ونصوصه وهي:
1 – مدرسة قديمة كانت تدرس تاريخ الأدب، وتعده محوراً للدراسة، ومن خلاله تُساق النصوص كشواهد للحقائق، التي تعرض لها. وهذه مدرسة قديمة؛ لأنها كانت تعنى بالمعارف التي تتصل بالتراث أكثر مما تعنى بالتراث نفسه، وبما وراء ذلك من مهارات الفهم والتحليل والتركيب والتذوق والنقد، وبذلك تضيع جوهر الدراسة النصية في سبيل قشور لا جدوى لها، ولا غناء فيها.
2 – مدرسة ترى أن تُنتقى نصوص من روائع التراث قديمه وحديثه، تدرس دراسة تذوقية، ومن مميزاتها الاعتناء بالنواحي الجوهرية في دراسة التراث، ولكن كثيراً ما تشتت أذهان الطلاب؛ فيعجزون عن معرفة بيئة النص، وجوه، والحياة التي أحاطت بالأديب؛ فدفعته بملابساتها إلى إنشاء نصه.
3 – مدرسة ثالثة ترى أن يدرس التراث الأدبي في صورة فنون، كفن القصة، أو المسرحية، أو المقالة، أو الشعر الغنائي، ومن مميزاتها الخيط المتصل، الذي يربط نماذج الفن الواحد، ويكشف عن سلسلة تطورها، ومما يؤخذ عليها أنها قلما تُلم بمجموعة الفنون البارزة إلمامة كافية.
4 – مدرسة ترى أن يُدرس التراث الأدبي في صورة عصور، ويطالب بعض روادها أن يكون البدء بالعصر الحديث، ويرى آخرون أن يكون لعامل الزمن، ومسيرته التاريخية وزن واعتبار.
ويجب أن تكون أساس الدراسة ولبابها، وأن يُتجه فيها إلى نواحي الفهم الذاتي، والتحليل التلقائي، والذوق المعتمد على حس التلاميذ، والنقد المبني على الأسس الجمالية السليمة، ولا بأس بأن ينتقل فيها التلاميذ من عصر إلى عصر، على أن يكون التركيز على الفنون الحديثة كالقصة والمسرحية والمقالة، على ما يمكنهم من تمثلها، وإدراك خصائصها، والاستمتاع بها، ومحاولة الإبداع على نمطها؛ إذا تسنى ذلك.أما دراسة الحقائق الأدبية فلابد أن تكون بقدر، وأن تأتي عن طريق الاستنباط، وأن تظهر فيها شخصيات التلاميذ، وأن تبتعد عن القوالب، والأحكام العامة، التي لا توضح الظواهر.
والواقع أنه لا يمكن الاقتصار على مدخل واحد من المداخل السابقة، وإنما يمكن الاعتماد عليها جميعاً في تحليل الدراسة الأدبية؛ إذ يُستفاد من طريقة العصور في تتبع التطور الزمني للأدب، كما يُستفاد من طريقة الفنون في أخذ صورة كلية عن تتبع صورة هذا الفن بين القديم والحديث، ويُستفاد من الطريقة الإقليمية في دراسة الأدب في بيان أثر البيئة في الإنتاج الأدبي، كما يشار إلى التيارات الثقافية في هذه البيئة، وانعكاسها على ذلك الإنتاج، ولا شك في أن الاستفادة من مزايا هذه الطرق جميعاً تحقق المفهوم الواسع للأدب.
المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن

هناك تعليق واحد:

Mohamed amjar يقول...

مقالة غنية بالمعلومات التي نحن في حاجة إلى دراستها لفهم أدبنا.
www.amjarmed.com